الارشيف / اخبار العالم

ظهور إلهيٌّ ثالوثيٌّ

  • 1/2
  • 2/2

تبدأ الكنيسة الأرثوذكسيَّة من اليوم الثاني من شهر كانون الثاني بقراءة صلوات تتعلَّق بعيد الظهور الإلهيِّ (Théophanie) لنتهيَّأ ليوم العيد في اليوم السادس. ويُتابَعُ الاحتفال بالعيد لوداعه، لغاية اليوم الرابع عشر من الشهر نفسه.

إحدى هذه الصلوات[1] تقول: «هلمُّوا يا جميع المؤمنين، لنغادر اليهوديَّة، ونهرع إلى برِّيَّة الأردنِّ، فهناك نشاهد اليوم، مَن قد ظهر بالجسد لأجلنا...». تكمل الصلاة بأنَّ المعمدان يرتعد، كيف يضع يده الترابيَّة على النار، قاصدًا بذلك اللاهوت المتجسِّد، كما يقول الرسول بولس: «فإنَّه فيه (الربّ يسوع) يَحِلُّ كلُّ ملء اللاهوت جسديًّا» (كولوسي 2 : 9).

وتتابع القطعة فيقول نهر الأردنِّ: «لماذا تتباطأ أيُّها الصابغ[2] في تعميد ربِّي، وما بالك تصدُّ التنقية عن كثيرين، إنَّه (يسوع) قد قدَّس الخليقة بأسرها، فدعه يقدِّسني...».

كلام يُظهر هويَّة الآتي ليعتمد من يوحنَّا، وثمار حضوره القداسة.

العبارة، من ظهر بالجسد لأجلنا، هي محور الإيمان المسيحيِّ بمجمله. الله الابن المتجسِّد، غير المنفصل عن الآب والروح القدس، والواحد في الجوهر معهما، نشاهده بيننا. «الكلمة صار جسدًا» (يوحنَّا 1 : 14)، وبحسب النصِّ الأصليِّ في اللغة اليونانيَّة: «الكلمة صار لحمًا (sarx)».

إذًا، الله يسكن معنا وفينا. كم هذا عجيب وجميل في آن!.

في الماضي البعيد صرخ سليمان الحكيم ابن داود عندما شيَّد الهيكل الَّذي عُرِفَ باسمه، فوقف أمام مذبح الربِّ تجاه كلِّ الشعب سائلًا: «لأنَّه هل يسكن الله حقًّا مع الإنسان على الأرض؟ هوذا السماوات وسماء السماوات لا تسَعُكَ، فكم بالأقلِّ هذا البيتُ الَّذي بَنَيْتُ!» (2 أخبار 6 : 18).

هذا السؤال تحقَّق بتجسُّد إلهنا، بالهيكل الحقيقيِّ، لنسكن معه في السماوات. جاء إلينا وكشف عن ذاته الإلهيَّة، فكان أوَّل ظهور للثالوث القدُّوس لحظة خروج الربِّ من المياه.

الله الروح القدس يظهر على يسوع مثل حمامة وآتيًا عليه ليشير إليه، ويؤازر ما قاله الله الآب: «هذا هو ابني الحبيب الَّذي به سُرِرْتُ» (متَّى 3 : 16 - 17). هنا يشرح القدِّيس يوحنَّا الذهبيُّ الفم أنَّ ظهور الروح القدس على يسوع هو لنزع كلِّ شكٍّ من أنَّه ابن الله دون سواه، وسيُعيد الآب قوله في التجلِّي مع إضافة مهمَّة جدًّا: «له اسمعوا» (متَّى 5 : 17).

هنا نصل إلى نقطة محوريَّة ومستغربة جدًّا. كلٌّ منَّا يريد لأبنائه الأفضل والأحسن والسلامة والخير وإلى ما هنالك. فما هو سرور الآب بابنه الوحيد يسوع، الَّذي سيُهان ويُجلَدُ ويُلطَم ويُبصَق عليه ويُصلَب ويُطعَن؟ خاصَّة أنَّ عبارة «هذا هو ابني» تعيدنا إلى نبوءة إشعياء النبيِّ: «أمَّا الربُّ فسُرَّ بأن يسحقه (ابنه) بالحَزَن. إن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلًا تطول أيَّامه، ومسرَّةُ الربِّ بيده تنجح» (إشعياء 53 : 10).

ما هذا السرور المجبول بالألم والعذاب والانسحاق والاحتقار والصلب والطعن؟ هل هو عشق للألم (Le Masochisme)؟ أم هو غضب الله الآب على البشريَّة فأتى الله الابن، وقدَّم نفسه ذبيحة للَّه الآب ليرضيه ويزيل غضبه عن البشريَّة ويفدينا؟.

معاذ الله أن يكون هذا الكلام صحيحًا. وإلَّا أدخلنا على الآب الغضب والانتقام، وهذا أمر غير وارد إطلاقًا، وأيضًا ضربنا المشيئة الثالوثيَّة الإلهيَّة الواحدة عرض الحائط، وهذه هرطقة ما بعدها هرطقة، وأيضًا جعلنا الابن أكثر رحمة ومحبَّة وعطفًا من الآب، وهو المولود منه قبل الزمان!

الحقيقة هي أنَّ التدبير الخلاصيَّ كلَّه في كل تفاصيله، من التجسُّد إلى المجيء الثاني، مرورًا بالصلب، هو تدبير ثالوثيٌّ غير منقسم المشيئة الواحدة.

والسرور الإلهيُّ هو خلاصنا نحن، وانتشالنا من براثن الخطيئة والموت، لأنَّ الله الثالوث القدُّوس الواحد في الجوهر الإلهيِّ، هو محبَّة، و«المحبَّة تتأنَّى وترفق» (1 كورنثوس 13 : 4).

لهذا نجد أنَّ عيد الظهور الإلهيِّ مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالصلب وبنزول الربِّ إلى الجحيم لينتشلنا. وهذا الَّذي عناه القدِّيس يوحنَّا المعمدان بقوله عن يسوع عندما رأه آتيًا إليه: «هوذا حمل الله الَّذي يرفع خطيَّة العالم!» (يوحنَّا 1 : 29).

ففي الظهور الإلهيِّ غطس الربُّ في المياه وأصعدنا معه طاهرين أنقياء. وفي القيامة نزل الربُّ إلى أعماق الجحيم مُخلِّعًا أبوابَها تحت قدميه، وأقامنا معه منتصرين على الموت.

إنَّه الانتصار على الموت والشرِّير والحياةُ الجديدةُ للإنسان. لقد أصبحنا بتجسُّد الربِّ وصيرورته إنسانًا وخلاصه لنا خليقةً جديدةً. الربُّ يسوع المسيح أتى لخلاصنا، والأعياد الخلاصيَّة كلُّها الَّتي نعيِّدها خلال السنة الليتورجيَّة هي واحدة في العمق.

لهذا مثلًا وقفة الربِّ يسوع المستقيمة في أيقونة الظهور الإلهيِّ، هي نفسها وقفته على الصليب. هي وقفة انتصار وغلبة. في معموديَّته رجع الأردنُّ إلى الوراء مهابة، وفي القيامة انشقَّ الجحيم وتفجَّر. في الظهور الإلهيِّ نشاهد الشيطان في قعر المياه مغلوبًا تحت أقدام الربِّ، وفي نزول الربِّ إلى الجحيم، نشاهد الشيطان مقيَّدًا وأبواب جهنَّم مخلَّعة ومفاتيحها مبعثرة.

فما تدعونا الكنيسة إليه في ليتورجيَّتها أن نغادر اليهوديَّة، ونهرع إلى برِّيَّة الأردنِّ، لنشاهد اليوم إلهنا المتجسِّد، ما هي إلَّا دعوة لنغادر، اليوم والآن، عمق قبر رذائلنا، ونهرع إلى برِّيَّة التخلِّي عن الأهواء المميتة، وعدم التعلُّق بالأشياء الفانية والزائلة، ونعيش التخلِّي الحقيقيَّ (Le détachement)، ولا نتعلَّق إلَّا بالربِّ وحده الآتي إلينا، لينيرنا ويجعلنا أنقياء طاهرين، هذا إن تبنا، وجعلنا طرق حياتنا مستقيمة. فنحن أيضًا عندما نتوب، تنشقُّ السماوات لنا، ويفرح كلُّ أهل السماء بعودتنا (لوقا 15 : 7).

ففي الماضي كان ظهور الحمامة مع نوح علامة لنهاية الطوفان، وبداية عهد جديد، وها اليوم يقول لنا الربُّ إن اتَّحدنا به، بأنَّ طوفان الخطيئة الَّذي يغرقنا يزول، ونبدأ عهدًا جديدًا مع إله الأنوار.

إلى الربِّ نطلب.

[1]. غروب اليوم الثاني من شهر كانون الثاني.

[2]. الصابغ أي المُعَمِّد مِن فعل صَبَغَ، وتشير إلى التغطيس.

كانت هذه تفاصيل خبر ظهور إلهيٌّ ثالوثيٌّ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على النشرة (لبنان) وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا